مَدْخَلْ لِتَفْسِير هذهِ السُّورَة
سُورة
العصر على قِصَرِها ، سُورةٌ جامِعَة شَامِلَة ، كما تَفضل بخير الدُّنيا
والآخرة بالعلم والعمل، بالعمل الخاص ، والعمل المُتَعدِّي ، وجاء عن
الإمام الشَّافِعي رحمه الله تعالى أنَّهُ قال : لو مَا أنْزَلَ الله على
خلقِهِ إلا هذه السُّورة لَكَفَتْهُم ، وبالإمكانْ في تفسير هذه السُّورة
أنْ يَتكلَّم المُتحدِّثْ عن جميع أبواب الدِّينْ ؛ لأنَّها في ألفاظِها
الوجيزة كُلُّ لَفْظٍ يدخل تحتهُ أبواب كثيرة من أبواب الدِِّينْ .
هل السورة مكية أم مدنية ؟
هذه السُّورة سُورةٌ مَكيَّة في قول الأكثر ، وقال بعضُهُم إنَّها مدنِيَّة .
مِمَّا يُذْكَرُ فيها مِنَ الأخبار
ـ
هذه السُّورة جاء عن الصَّحابة رضوان الله عليهم أنَّهُم كانوا إذا التقى
أحدُهُم بالآخر لم يَفْتَرِقا حتَّى يقرأ أحدُهُم أو أحدُهُما سُورة العصر .
ـ
وجاء فيها من الأخبار ممَّا يَذْكُرُهُ المُفَسِّرون أنَّ من قرأ سُورة
العصر كان مِنَ الذِّينَ آمنُوا وعملُوا الصَّالحات وتواصوا بالحقِّ
وتواصُوا بالصَّبر هذا وإنْ تَواطَأ عليه وعلى ذِكْرِهِ أكثر المُفَسِّرينْ
إلا أنَّهُ لا أَصْلَ لهُ .
ـ
ومِمَّا يُذْكَرُ فيها مِنَ الأخبار أيضا : أنَّ عمرو بن العاص قبل أنْ
يُسْلِمْ رضي الله عنهُ ذهب إلى مُسَيْلمة ، فسألهُ مُسيلمة ماذا أُنْزِلَ
على صَاحِبكم ؟ فقرأ عليهِ سُورة العصر، فقال : إنِّي أُنْزِل عليَّ
مِثْلُها ، فقال : ماذا ؟ فقال : من تُرَّهاتِهِ وسَخافاتِهِ التِّي
تُذكَرُ عنهُ فيما يُعارِضُ بِهِ القُرآن ، نسأل الله السَّلامة والعافية ،
فقال : يا وَبْرُ يا وَبْر ، إنَّما أنْتَ أذُنانِ صدْر ، وسَائِرُكَ حفزٌ
وقَفْر، فقال :ماذا تقولُ يا عم ؟ قبل أنْ يُسْلِمْ ، والعدو يَفْرح
بِمثلِ هذا الكلام الذِّي يُعَارضُ بِهِ كلام عدوِّهِ ؛ لكنَّ عمراً قال :
والله إنِّكَ لَتَعْلَمْ أنِّي أعلم أنَّكَ كَاذِبْ ، و هذا قبل أنْ
يُسْلِم عمرو ، وأُثِرَ عن مُسيلمة مِنْ أمثال هذه الأقوال السَّاقِطَة
التِّي لا يُعارضُ بِها الكلامُ العاديّ فضلاً عنْ أفَْصِح الكلام ،
وَأُثِرَ أَيْضاً عَنْ أَبِي العَلاء المَعَرِّي الزِّنْدِيقْ المَعْرُوفْ
الشَّاعِر أنَّهُ عَارَضَ القُرْآن بِكِتَابٍ مَطْبُوعٍ ومُتَدَاوَلْ
اسْمُهُ الآياتُ البَيِّنَاتْ في مَواعِظْ البَرِيَّاتْ ، وكانَ أَصْلُهُ
فِي مُعَارَضَةِ الآيَاتْ ، والله جلَّ وعلا تَحَدَّى الخَلْق ، تَحَدَّى
العَرَبْ الذِّينَ هُمْ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقْ أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ ،
ثُمَّ تَحَدَّاهُم بِعَشْرِ سُوَرْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ، ثُمَّ
تَحَدَّاهُم بِسُورة ولو كَانَتْ أَقْصَرْ السُّوَرْ ، سَواءٌ كَانَتْ
كهذهِ السُّورة أو كَانَت سُورة الكَوْثَرْ مَثَلاً ؛ لَكِنَّهُ لَمْ
يَقَعْ التَّحَدِّي بِآيَة ، وَقَعَ التَّحَدِّي بِسُورة ؛ ولَكِنَّهُ لَمْ
يَقَعْ التَّحَدِّي بِآيَة وذَلِكُم ؛ لأنَّ العَرَبْ لا يَعْجَزُ
الوَاحِدُ مِنْهُم أنْ يَقُول {ثُمَّ نَظَرَ } [ المُدَّثِّر/ 21 ] ، أو يَقُول {مُدْهَامَّتَانِ }
[ الرحمن / 64] ، وهُما آيَتَانْ ؛ لَكِنْ آيَة بِقَدْرِ أقِصر سُورة لا
يَسْتَطِيع العَرَبْ ولوْ اجْتَمَعُوا أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ ، فَكَيْفَ
بِمِثْلِ هذا الكَلام المُضْحِك للصِّبْيَانْ ؟ فَكَيْفَ يُقَالْ أنَّ
ِمِثْلِ هذا مُعَارضة أوْ يُؤْخَذ لَهُ شيءٌ في الاعْتِبَارْ ؟ هذا كُلُّهُ
هَذَيَانْ أشْبَه بِكَلام المَجَانِينْ الذِّي لا مَعْنَى لَهُ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ [ سبأ / 8 ] هذا شبه الجُنُون .
ـ
جَاءَ أيْضاً فِي هذهِ السُّورة مَا ذَكَرَهُ الرَّازِي في تَفْسِيرِهِ ،
وهُو أنَّ امْرَأةً تَجُوبُ شَوَارِع المَدِينَة وسِكَكَها ، تَبْحَثُ عن
النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فَدُلَّتْ عليهِ ، فقالت : يا رَسُول الله
أنَّها شَرِبَتْ، تَعْنِي الخَمْر ، ثُمَّ زَنَتْ ، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنَ
الزِّنَا، فَقَتَلَتْهُ ، تَقُول إنَّها شَرِبَتْ الخَمْر ، ثُمَّ زَنَتْ
بَعْدَ أنْ شَرِبَتْ ، ثُمَّ وَلَدَتْ من الزِّنَا ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ
قَتَلَتْ هذا الوَلَدْ ، هذهِ العَظَائِمْ التِّي ارْتَكَبَتْها ،
والخَبَرْ سَيَأْتِي الكَلامُ عليهِ ، يَقُول الرَّازِي في سِيَاقِ
خَبَرِهِ هذا إنَّ النبي عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام قالَ لَهَا : أمَّا
الخَمرُ فَفِيهِ الحَد ، وأمَّا الزِّنا فَلَعَلَّكِ لَمْ تُصَلِّ العَصْرْ
، وأمَّا القَتْلْ فالنَّارْ ، هَكَذا قَالَ الرَّازِي فِي تَفْسِيرِهِ ـ
فِي تَفْسِيرِ هذهِ السُّورَة ـ ونَقَلَهُ عَنْهُ الآلُوسِي فِي رُوح
المَعَانِي ، وقال تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ الإمام ـ يَقْصِدُ بِذَلِكَ
الرَّازِي ـ وإذا أُطْلِقَ في كُتُب المُتأَخِّرِينْ لاسِيَّمَا ممَّنْ
يَنْتَسِبُ إلى مَذْهَبْ الشَّافِعِي الإمام فَهُو المَقْصُود الرَّازِي ،
ثُمَّ قَالَ الآلُوسِي : ولَعَمْرِي إنَّهُ إمَامْ فِي نَقْلِ ما لا
يَعْرِفُهُ أهْل الحَدِيث ، فهل هذا مَدْحٌ أَوْ ذَمْ ؟ ذمَّ ذَمًّا شَدِيد
، ولِهَذا الحَدِيثْ لا أَصْلَ لَهُ ، لا يُوجَدُ فِي دَوَاوِينْ الإسْلام
المُعْتَبَرَة ، ومِثْلُ هذا الخَبَرْ إذا بُحِثَ عَنْهُ فِي
الدَّوَاوِينْ المَعْرُوفَة منْ الصِّحَاحْ ،والسُّنَنْ والمَسَانِيدْ
،والجَوامِعْ ،والمَعَاجِمْ ،والمُسْتَخْرَجَاتْ فَمَا وُجِد ، هذهِ
أَمَارَة وعَلامَة مِنْ عَلامَات وَضْعِهِ، ومِمَّنْ قَالَ بِهَذا الكَلام
الرَّازِي في المَحْصُولْ ، فَلَمْ يُوجَدْ هذا الخَبَرْ إلاّ عِنْدَ
الرَّازِي وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ أهْلِ الرِّوَايَة،
فالخَبَرْ لا أَصْلَ لَهُ ، وتقدم كلام الآلُوسِي فيه .
تفسير سورة العصر
هذهِ
السُّورَة كَغَيْرِها من سُوَرْ القُرْآنْ عَدَا بَرَاءَة صُدِّرَتْ
بالبَسْمَلَة ، فَالبَسْمَلَة في المَصَاحِفْ التِّي أَجْمَعَ عليها
الصَّحَابَة وأرْسَلَها عُثْمَانْ إلى الأمْصَارْ فِيها البَسْمَلَة
مُثْبَتَة في مئة وثَلاثَ عَشْرَةَ سُورَة في جَمِيع سُوَرْ القُرآنْ عَدَا
بَرَاءَة ، والخِلاَف مَعْرُوفْ بَيْنَ أهْلِ العِلْم ، هل البَسْمَلَة
آيَة مِنْ كُلِّ سُورة أوْ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مُطْلَقاً ؟ أَوْ هِيَ آيَة
وَاحِدَة نَزَلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرْ ؟ فَمِنْهُم مَنْ يَقُول
أنَّها آيَة مِنْ كُلِّ سُورة ، يَعْنِي أنَّ البَسْمَلَة مئة وثَلاث
عَشْرَة آية بِعَدَدِ السُّوَرْ التِّي صُدِّرَتْ بِها مَعَ إجْمَاعِهِمْ
على أنَّها بَعْضُ آيَةٍ في سُورة النَّمْل ، واتِّفَاقِ أهل العلم على
أنَّها لَيْسَتْ بِآيَة في صَدْرِ بَرَاءَة ، هذا القول يَسْتَنِدُ وهُو
إثْبَات أنَّ البَسْمَلَة آيَة مِنْ كُلِّ سُورة إلى اتِّفَاق الصَّحابة
على كِتَابَتِها مع اجْتِهَادِهِمْ في تَخْلِيصِ القُرْآنْ مِنْ كُلِّ مَا
لَيْسَ بِقُرآنْ، فذكْرِهم اتِّفَاقٌ مع ذكْرِها في مئة وثلاث عَشْرَة
مَوْضعاً يَدُلُّ على أنَّها آيَة ،وبِهذا يَقُولُ جَمْعٌ من أهل العِلْم .
والقولُ
الثَّانِي : أنَّها لَيْسَتْ بِآيَة مُطْلَقاً إلا فِي سُورة النَّمْل
بَعْضُ آيَة ، أمَّا في سُورة النَّمْل فهذا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عليهِ ،
وبَرَاءَة أيضاً مُتَّفَقٌ على أنَّها لَيْسَتْ بِآيَة، فَمِنْ أهلِ
العِلْم مَنْ يَرَى أنَّها لَيْسَتْ بِآيَة مُطْلَقاً عَدَمْ اسْتِثْنَاءْ ،
وهذا مَعْرُوفٌ عِنْدَ المَالِكِيَّة ، ومنهُم مَنْ يَرَى أنَّها آيَة
واحِدَة نَزَلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرْ ، نَزَلَتْ لِلْفَصْلِ
بَيْنَ السُّوَرْ ، وبِهَذا يَقُولُ بَعْضُ الحَنَفِيَّة كالجَصَّاصْ
ويَمِيلُ إليْهِ شيخُ الإسْلام ابن تَيمية رحِمهُ الله، إذا قُلْنَا إنَّها
آيَة مِنْ كُلِّ سُورة ، أوْ قُلْنَا إنَّها آيَة وَاحِدَة نَزَلَتْ
لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرْ ، هل هُناكَ فَرْق ؟ فإذا قَرَأ الإنْسَانْ
فِي تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنْ مِئَة وثَلاثَ عَشْرَة مَرَّة سَواءً كانَتْ
مِئَة وثَلاثَ عَشْرَة آيَة أوْ آيَة واحِدَة نَزَلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ
السُّوَرْ يُكَرِّرُها مِئَة وثَلاثَ عَشْرَة مَرَّة ، الأجْرُ واحِدْ
كُلُّ حَرْفٍ بِعَشْرِ حَسَنَاتْ سَواءٌ كَانَتْ آيَة واحِدَة أوْ مِئَة
وثَلاث عَشْرَة آيَة ، هل مِنْ فَائِدَة لِمِثْلِ هذا الخِلافْ ؟ نعم هناك
فائدة فإذا لَمْ تَكُنْ آيَة لا تَخْتَل قِراءتُهُ للسُّورَة ، إذا لَمْ
يَقْرَأْها من الفاتِحة لَمْ تَبْطُل صَلاتُهُ ، فيما لَوْ كَانَتْ آيَة
بَطَلَتْ صَلاتُهُ إذا لَمْ يَقْرَأها من الفاتِحَة .على كُلِّ حَال هذه
أقْوَالُ أهل العِلْم ، وكأنَّ الذِّي مَالَ إليْهِ شيخُ الإسلام مُتَّجِه ؛
لأنَّ الأدِلَّة على كَوْنِها لَيْسَتْ بِآيَة مِنْ كُلِّ سُورة لِها
حَظٌّ من النَّظر ، ولوْ لَمْ يَكُنْ من الأدِلَّة على ذلِك إلاّ الخِلاف
فِي كَونِها آيَة ؛ لأنَّ القُرْآنْ مَقْطُوعٌ بِثُبُوتِهِ ، ومعَ وُجُودِ
مِثْلِ هذا الخِلاف لا يُقْطَعُ بِثُبُوتْ البَسْمَلَة مِنْ كُلِّ سُورة
.يَقُولُ اللهُ جلَّ وعلا {وَالْعَصْرِ } الوَاوْ
حَرفُ قَسَمْ ( وَالْعَصْرِ ) هُو الدَّهْر ، وأَقْسَمَ اللهُ بِهِ جَلَّ
وعَلا لِمَّا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ أَعَاجِيبْ ، فالدَّهْر مِنْ أَوَّل
الدُّنْيَا إلى آخِرِها يُقَالُ لَهُ العَصْر ، وقَدْ يُطْلَقُ العَصْر
ويُرَادُ بِهِ فَتْرَة مِنَ الزَّمَنْ ، العُصُور الإسْلامِيَّة مَثَلاً
العَصْر النَّبَويّ ،عصْر الخُلَفَاء الرَّاشِدِينْ ، عَصْر بَنِي أُمَيَّة
، عَصْر بَنِي العَبَّاسْ وهكذا ، فَيُرَادُ بِهِ فَتْرَة من الزَّمَنْ
يَشْمَلُها وَصْفٌ واحِدْ ، ولِذا قَالَ جَمْعٌ من المُفَسِّرِينْ ، أنَّ
المُقْسَمْ بِهِ هُو العَصْر النَّبَويّ الذِّي هُو أعْظَم عُصُور
الدُّنْيَا .ومِنْهُم مَنْ يَقُول إنَّ العَصْر عَصْر كُل إنْسَانٍ
بِحَسبِهِ ؛ لأنَّهُ في الحَقِيقة هُو حَيَاتُهُ مِنْ وِلادَتِهِ إلى
وَفَاتِهِ ، ولأهَميَّة هذا الوقتْ الذِّي وُجِدَ فِيهِ هذا الإنْسَانْ
الذِّي يَنْبَغِي ؛ بَلْ يَجِبْ عليْهِ أنْ يَسْتَغل هذا الوَقْت بِفِعْلِ
الوَاجِبَاتْ ، وتَرْكِ المُحَرَّمَاتْ بِتَحْقِيق عُبُودِيَّة الله جلَّ
وعلا ؛ بَلْ العَصْر عِبَارة عن اللَّيَالِي والأيَّام المَحْدُودَة التِّي
يَعِيشُها كُلُّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ ، فهِيَ الخَزَائِنْ ، وهِيَ العُمُر
كُلُّهُ ، عُمُرُ الإنْسَانْ كُلُّهُ من وِلادَتِهِ إلى أنْ يَمُوتْ
،واللَّيَالِي والنَّهَار كَمَا يقولُ أهلُ العلم هِيَ عِبَارة عَنْ
خَزَائِنْ قِيمَتُها بِحَسَبِ قِيمة ما يُودَعُ فيها .
ومنهُم من قَال إنَّ المُرَادْ بالعَصْر وَقْتُ العَصْر ، وَقْتُ العَصْر الذِّي هُو آخِرُ النَّهار
ومنْهُم منْ يَقُول : يَبْدَأ منْ زَوَالِ الشَّمْس إلى غُرُوبها .
ومنهُمْ
مَنْ يَقُول إنَّ المُرَادْ بالعَصْر صلاةُ العَصْر، صلاةُ العَصْر جَاءَ
في النُّصُوصْ مَا يَدُلُّ على تَعْظِيم وقتِ العَصْر ، وجاء فيها أيْضاً
مَا يَدُلُّ على تَعْظِيم شأْن صَلاةِ العَصْر ، وهِيَ الصَّلاة الوُسْطَى
كَمَا دَلَّ على ذلك الحَدِيثْ الصَّحِيح هِيَ الصَّلاة الوُسْطَى، ومَنْ
تَرَكَ العَصْر فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ . المَقْصُودْ أنَّ العَصْر
مُخْتَلَفٌ فيهِ بَيْنَ المُفَسِّرِينْ ، والعَصْر الذِّي هُو الوَقْتْ
المَعْرُوفْ مِنْ دُخُول وَقْتِهِ إلى غُرُوب الشَّمْسْ هذا لَهُ شَأْنْ ،
وجَاءَ فِي تَعْظِيمِهِ في النُّصُوصْ مَا جَاء ، وكذلِكَ صَلاةِ العَصْر
أنَّها هِيَ الوُسْطَى التِّي هِيَ الفُضْلَى مِنْ بَيْن الصَّلَواتْ ،
والعَصْر أقْسَمَ اللهُ جَلَّ وعَلا بِالعَصْر لِمَا يَحْدُثُ فِيهِ سَواءٌ
كَانَ بِكَامِلِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلى آخِرِهِ ، أوْ بِجُزْءٍ مِنْ
أَجْزَائِهِ طَالَ أَوْ قَصُرْ مِنَ الأعَاجِيبْ ، يَحْصُلُ فِيهِ من
الأعَاجِيبْ شَيْءٌ قَدْ لا يَخْطُرُ على بَالِ الإنْسَانْ ، قَدْ يُدْرِك
الإنْسَانْ شَيْءٌ مِنْهُ إذا كَانَتْ لَهُ عِنَايَة بِقِرَاءَةِ
التَّوَارِيخْ ، وأَخْبَار الأُمَمْ المَاضِيَة يُدْرِك شَيْءٌ مِنْ هذهِ
الأعَاجِيبْ ، وتَصَرف الأحْوَالْ وتَصَرُّمْ اللَّيَالِي والأيَّامْ ،
يُدرك شيء من ذلك إذا كَانَتْ لَهُ عِنَايَة ، أوْ كَانَ لَهُ بَصِيرَة
يَنْظُرُ فيها بِعَيْنِ الاعْتِبَار والادِّكَار ، الله جلَّ وعلا أَقْسَم
بالعَصْرِ كما أقْسَمَ بالضُّحَى ، وأقْسَمَ باللَّيْل ، وأَقْسَم بالفَجْر
، يُقْسِمُ جَلَّ وعلا بِما شَاء ، يُقْسِمُ بما شَاء ، ومِنْ أهْلِ
العِلْم منْ يُقَدِّر مُقْسَمْ بِهِ مُضَاف إلى العَصْر مَحْذُوفْ ،
فَيَقُول ورَبِّ العَصْر ؛ لكِنْ الأكْثَرْ عَلَى أنَّهُ لا يَحْتَاجُ إلى
تَقْدِيرْ ، وأنَّ الله جَلَّ وعَلا لَهُ أنْ يُقْسِمُ بِما شَاء مِنْ
خَلْقِهِ ، وبِمَا شَاءَ مِنْ آيَاتِهِ ، يُقْسِمُ بِمَا شَاءْ وَلوْ كَانَ
مَخْلُوقاً ، بَيْنَما المَخْلُوقْ لَيْسَ لَهُ أنْ يُقْسِم ، ولا يَحْلِف
إلاّ بالله جَلَّ وعَلا ، مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكْ ،
مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكْ ، فالقَسَمْ بِغَيْرِ الله مِنَ
الشِّرْك ، إنْ كَانَ منَ الشِّرْك الأصْغَرْ عِنْدَ أهْلِ العِلْم إلاّ
إنْ وَقَرَ فِي قَلْبِ الحَالِفْ أنَّهُ حَلَفَ بِهِ ؛ لأنَّهُ مُسَاوٍ لله
جلَّ وعلا بِعَظَمَتِهِ فهذا أَكْبَر نَسْأل الله العَافِيَة ، و إلاّ
فَهُو مِنَ الأَصْغَرْ الدَّاخِلْ في قَوْلِ الله جَلَّ وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }
[ النِّسَاء / 48 ] عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ أهْلِ العِلْم ، وإنَّ الشِّرْك
الأصْغَرْ كالأكْبَرْ لا يُغْفَرْ ؛ بَلْ لابُدَّ أنْ يُعَذَّبْ بِقَدرِهِ ،
ثُمَّ بَعْدَ ذلك مَآلُهُ إلى الجَنَّة إنْ لَمْ يَرْتَكِبْ مُكَفِّراً
مُخْرِجاً ، أمَّا الشِّرْك الأكْبَرْ فإنَّ صَاحِبُهُ خَالِدٌ مُخَلَّدٌ
في النَّارْ ، نَسْأل الله السَّلامَة والعَافِيَة ، الله جَلَّ وعَلا
أَمَرَ نَبِيَّهُ أنْ يُقْسِمَ على البَعْثْ فِي ثَلاثَةِ مَوَاضِعْ مِنْ
كِتَابِهِ ، والقَسَمْ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ لِتَعْظِيمِ الكَلامْ
وتَأْكِيدِهِ ، فالله سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أنْ يُقْسِمْ على
البَعْثْ فِي ثَلاثَةِ مَوَاَضِعْ:
الأوَّلْ فِي سُورةِ يُونس {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [ يُونس / 53 ] ، والثَّانِي فِي الآيَة الثَّالثَة فِي سَبَأْ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [ سبأ / 3 ] .
والثَّالِثْ فِي سُورة التَّغَابُنْ {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي}
[ التغابن / 7 ] ثلاثة مواضع أمَر الله جل وعلا نَبِيَّهُ أنْ يُقْسِم
فيها على البعث ، وهذا لِبَيَانِ شَأْن عِظَمْ المُقْسَم عليهِ ، عِظَمْ
المُقْسَم عليهِ ، النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام كثيرٌ ما يَحلِفْ ،
ويُقْسِمُ على الأُمُور المُهِمَّة ، والذِّي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا
ومُقَلِّب القُلُوب ، المقصُود أنَّهُ يحلف عليهِ الصَّلاة والسَّلام ،
وهُو الصّاَدِقُ المَصْدُوق ، والله جل وعلا أقْسَمَ ، وأمَرَ نَبِيَّهُ
أنْ يُقْسِمْ كُلُّ هذا لِتَعْظِيمِ شَأْنْ المَحْلُوفْ عليهِ ،
والاهْتِمَامْ بِشَأْنِهِ ، فالله جلَّ وعلا أَقْسَمَ بالعَصْر {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } هذا
المُقْسَم عليهِ ((إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) هذا شَأْنُهُ عظيم ،
وجَاءَ التَّأْكِيدْ بِالقَسَمْ وإنَّ ؛ لأنَّ ( إنَّ ) حَرْف توكيد ونصب و
( لفي ) المُؤكدة (لَفِي خُسْر ) ( إنَّ الإنْسَانْ ) الإنْسَانْ
المُرَادْ بِهِ الجِنْسْ بِدَلالَةِ دُخُولْ ، بِدَلالَةِ جَوَازِ دُخُولْ
كُلْ مَكَانْ ألْ ، فَلَوْ قال إنَّ كُل إنْسَانٍ لَفِي خُسْر صَحَّ الكلام
، وعلامَةُ كَوْن أَلْ جِنْسِيَّة أنْ يَحِلَّ مَحَلَّها كُل ، فَكُلُّ
إنْسَانْ مَحْكُومٌ عليهِ بالخَسَارَة ، إلاّ مَنْ اسْتُثْنِي ، فَكُلُّ
إنْسَانٍ يَتَّجِه إليْهِ قَوْلُ الله جلَّ وعلا {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } ثُمَّ
بعد ذلك اسْعَ في خَلاصِ نَفْسِك مِنْ هذهِ الخَسَارَة ، وحَقِّقْ مَا
بَعْدَ إلاّ ، حَقِّقْ مَا بَعْدَ إلاّ لِتَنْجُو مِنْ هذهِ الخَسَارة
الفَادِحَة التِّي لَيْسَتْ خَسَارة الدَِّراهِمْ والدَّنَانِيرْ ،
الخَسَارة خَسَارة الآخِرَة ، ولذلك يقُولُ الله جَلَّ وعلا {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}
[ التغابُن / 9 ] يعني التَّغَابُن الحَقِيقِي هُنالِكْ لا فِي الدُّنْيَا
، فَلًوْ أنَّ إنْسَان فَقَد جميع ما يَمْلِك في هذهِ الدُّنْيَا مِنْ
مَالٍ ، ووَلَدْ ، وجَاهٍ ، وصِحَّة ، وبَقِيَ لَهُ رَأسُ مَالِهِ الذِّي
هُو الدِّينْ هذا لَيْسَ بِخُسْرَانْ ؛ لَكِنْ لَوْ خَسِرَ دِينَهُ ،
وبَقِيَ جَمِيع مَا يَمْلِكْ فِي هذهِ الدُّنْيَا ، وأضْعَافْ أضْعَافْ مَا
كَانَ يَمْلِك لَفِي خُسْر ، ونُشاهد أو شَاهَدْنَا بعض الإخوانْ لَمَّا
وُجِدَتْ التِّجَارَاتْ التِّي لا تَتَطَلَّبْ جُهْداً بَدَنِيًّا ، إنَّما
تَتَطَلَّبْ جُهدا ذِهْنِيا مِثْل الأسْهُم كثيرٌ مِنْ طُلاَّب العِلْم
فَقَدْنَاهُم فِي الحِلَقْ ، فإذا سَأَلْنَا عَنْهُم قالوا إنَّهُم
ذَهَبُوا إلَى تِجَارَةِ الأسْهُم ، وإذا كُلِّمُوا قَالُوا مُدَّة
يَسِيرَة نَشْتَغِلْ ونَتَحَرَّكْ ؛ فإذا كَسَبْنَا ورَبِحْنَا مَا
يَكْفِينَا رَجِعْنَا إلى العِلْم ، يَعْنِي على اصْطِلاحِهِمْ العِلْم
مَلْحُوقٍ عليه لن يفوت ، الإشْكَالْ هذه الأسْهُم التي يَجْني النَّاس
مِنْها مَا يَجْنُونْ ثُمَّ تَنْتَهِي، وكَانَتْ النَّتِيجَة عَكْسِيَّة ،
حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الخَسَارَة ، ونَسُوا مَا نَسُوا من العِلْم ؛ بَلْ
مِنْهُم مَنْ نَسِيَ حِفْظ القُرآنْ ؛ بَلْ مِنْهُم مَنْ نَسِيَ لٌبَّ
صَلاتِهِ وهُو الخُشُوعْ ، لَهَثُوا وَرَاءَ هذهِ الأسْهُمْ وورَاء هذهِ
الدُّنْيَا ، ثُمَّ مَعَ ذَلِك خَسِرُوا الدُّنْيَا والآخِرَة نَسْأل الله
السَّلامَة والعَافِيَة ، مِنْهُم مَنْ نَسِيَ القُرآنْ هذا مُؤَكَّدْ ،
مِنْهُم مَنْ صَلَّى ولا يَدْري كَمْ صَلَّى ، وإذا كانَتْ جَماعَة صَلُّوا
في مَكَانْ مِنْ أمَاكِنْ الأسْهُم ، وصلى في أحد الأيام رجل بِهم
الظُّهُر وَجَهَر بالقِرَاءَة وأمَّنُوا ولم يسبح واحدا منهم !! نَسْأل
الله السَّلامَة والعَافِيَة ،والنَّتِيجَة لا شيء ، عِبَرْ ؛ لِنَعْرِفْ
الخَسَارَة الحَقِيقِيَّة {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
[ الزُّمَر / 15 ] ، نَسْأل الله السَّلامة و العافِيَة ، أمَّا خَسَارَةُ
الدُّنْيَا ، فالدُّنْيَا عَرَضٌ يَطْرَأُ ويَزُولْ ، وقدْ يَحْصُلُ
للإنْسَانْ مَا لا يَخْطُرُ بِبَالِهِ ، ويُذْكَرْ مِنْ بَعْضِ أهْلِ
القَنَاعَة ، إنَّهُم صَارُوا سَبَباً لرِبْحِ أَهْلِيهِمْ ، وإنَّمَا
تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ، ومِنْ أهْلِ العِلْم مَنْ لَهُ
شَرِيكْ ، أخ شَرِيك تُوفِّيَ وَالِدُهُم ، وتَرَكَ لَهُم أموال طائِلَة ،
وطالبُ العلم مُقْبِلٌ على عِلْمِهِ وعِبَادَتِهِ ، وأخُوهُ شَرِيكُهُ
يَضْربُ الأرض طُولاً وعَرْضاً فِي التِّجَارَاتْ ، والأمْوَالْ تَزْدَادْ ،
فَقِيلَ لَهُ أوْ سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانْ إنَّ هذا يطلُبُ العلم ، ولا
لَهُ أي دُور في التِّجَارة ، وأنت يُوم بالصِّينْ ويُوم بِكذا ، لَوْ
افْتَرَقْتُمْ وصَارت مكاسِبْك لك ، جَاء إلى أخيه ، وقال ما رأيك ؟ ، قال
الأمر ما ترى ، فالشيخ تصرَّف بأموالِهِ، وأنت تتصرَّف بأموالِك ، وجَاءَهُ
أيْضاً من باب الورع ، قال يُمكن أتصَرَّف في بعض الأموال وأنا لم أشاورك
أو آكل من هذهِ الأموال أكثر من نصيبي ، فقال لهُ الشيخ : اقسم أنت ، و
ضَعْهُ على جنب وسلِّمْنِي إياهُ ، وحصلت القِسْمَة ، فأعطَى الشيخ
نَصِيبهُ وأخذ نصيبهُ وأخذ يُضَاربُ بِهِ ، الشيخ أوْدَعهُ عند أحد
التُّجَّار يعملُ بِهِ مُضاربة ، وعلى رأسِ الحول جَاءَ الأخ يقُولُ
لأخِيهِ الشيخ ما رأيك لَو رَجَعْنا إلى الشركة ؟ قال : ولماذا ؟ قال و
الله لقد ذهب جميع المال ، و ما بقي لي شيء أبدا ، قال :نحن على شركتنا و
الأموال عند فُلان أذهب و خذها .
الإنْسَان
يَتَصَوَّر أنَّهُ بِجُهْدِهِ يُرْزَقْ ، وأسْوَاقُ المُسْلِمينْ تَعُجُّ
بالعَبَاقِرَة ، لكِنْ ما النَّتِيجَة ؟ أكثرُهُم فُقَراء يَتَكَفَّفُونَ
النَّاس ، وبعض النَّاس من عرفناهُم ، وشاهَدْنَاهُم فِي أوْقَاتِ
الصَّفَقَاتْ يَنْعُسُونْ الصَّفَقَاتْ الكُبْرَى يَنْعس ، ثُمَّ بعد ذلك
يأخُذ الغلَّة كُلُّهُا هذا الذِّي ينعس ، فَليْسَتْ الأُمُور تخضعُ
لِحِذْقِ الإنْسَانْ ؛ بَلْ عُرِف مُنْذُ القِدَمْ أنَّ حِذْق الإنْسَانْ
وزِيَادَةِ ذَكَائِهِ نَقْص فِي رِزْقِهِ ، وشَواهِد الأحوال تَدُلُّ على
هذا ، الشَّاهد أنَّ الخَسَارة خَسَارَةُ الدُّنْيَا لا شَيْء بالنِّسْبَة
لِخَسَارة الدِّينْ أوْ شَيء من الدِّينْ
وكُلُّ كَسْرٍ فإنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ *** ومَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ
قوله : {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ }
ال*** كُلُّ إنْسَانْ مَحْكُومٌ عليهِ بهذا الحُكم إلاّ مَنْ اسْتُثْنِي و
( إلاّ ) أداة اسْتِثْنَاءْ تُخْرِجُ ما بعدها عن الحُكمُ العَامْ الذِّي
قبلها ، فمن المُخْرَج منْ هذهِ الخَسَارة ؟ مَنْ اتَّصَفَ بالصِّفَاتْ
الآتِيَة {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } أربع
صِفَاتْ لَكِنَّها شَامِلَة لجميع خيري الدُّنيا والآخِرَة ((إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا )) حَقَّقُوا الإيمان على مَا جَاء فِي حديث جبريل حينما
سألَ النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام عن الإيمانْ ، سَأَلَهُ ما الإيمان
؟ فقال ( أنْ تُؤْمِنْ بالله ، وملائِكَتِهِ ، وكُتُبِهِ ، ورُسُلِهِ ، واليومِ الآخر ، وبالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ )
هذهِ أركَانُ الإيمان السِّتَّة ، فَمَنْ حَقَّقَها تَحَقَّقَ لَهُ
الوَصْفْ المُخْرِجْ المُنجِي من الخُسْرَانْ ، وشَرْحُ هذهِ الأركانْ
السِّتَّة يُخْرِجُ بِنَا عنْ المَوْضُوع ، وهُو موجُودٌ فِي مَظَانِّهِ ،
فَمَنْ حَقَّقَ وآمَنْ ،وَأَيْقَنْ ، وصَدَّقَ ، واعْتَقَدَ بِدُونِ
تَرَدُّدْ ولا شك ولا رَيْبْ هذهِ الأركانْ السِّتَّة تَحَقَّقَ فِيهِ
وَصْف الإيمَانْ ، والإيمانُ عند أهلِ السُّنَّة : قَوْلٌ باللِّسَانْ ،
واعْتِقَادٌ بالجَنَانْ ، وعَمَلٌ بالأرْكَانْ ، هذهِ أَجْزَاؤُهُ التِّي
يَتَرَكَّبُ منها ، فَمُجَرَّد الاعْتِقَادْ لا يَكْفِي ؛ لأنَّهُ دعوى ،
لابُدَّ عليها من دَلِيلْ يُثْبِتُها بالقول ، فالنَّبي عليه الصَّلاة
والسَّلام أمر أنْ يُقاتل النَّاس حتَّى يقُولُوا لا إله إلا الله ، فَلا
بُدَّ من القول ، والقول أيضاً دعوى مَا لَمْ يُصَدِّقْها العمل ، كما قال
الحسَنْ ( لَيْسَ الإيمانُ بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمَنِّي ؛ ولكِنْ
الإيمانُ مَا وَقَر في القَلْب ، وصَدَّقَهُ العمل ) .
قوله : {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }
(( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) ، عَطْفْ الأعمال على الإيمانْ من باب عطف
الخاص على العام ، للاهتمام بِشَأْن الخَاصْ ، والعِنَايَةِ بِهِ ، و إلاَّ
فالإيمانْ مُتَطَلِّبٌ للأعْمَالْ ، فَلا بُدَّ من العمل في الإيمانْ ،
فالتَّنْصِيصُ عليهِ ـ أي العَمَلْ ـ للاهْتِمَامْ بِشَأْنِهِ ،
والعِنَايَةِ بِهِ، (( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )) والصَّالِحَاتْ جمعُ
صَالِحَة أو صالح ، والعمل الصَّالِح مَا تَوَافَرَ فيهِ شَرْطَا القَبُول :
ـ الذِّي هُو الإخْلاصْ لله جلَّ وعلا .
ـ والمُتَابَعَةُ لِنَبِيِّهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام .
فَلا
بُدَّ من الإخلاص ، فَلَو أنَّ إنْسَاناً عمل جميع ما سَمِعَ بِهِ ،
ومِمَّا جاء الحَثُّ عليهِ في الوحْيَيْنْ ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ فِي
عَمَلِهِ لله جلَّ وعلا ، ولمْ يُرِدْ بِهِ وجه الله تعالى ؛ فإنَّهُ لا
يُقْبَلُ مِنْهُ ، ولوْ عَمِل أعْمَالاً تَسْتَغْرِقُ أنْفَاسَهُ هِيَ فِي
ظَاهِرِها صَالِحَة ، ويُريدُ بِها وجه الله تعالى ؛ لَكِنَّها لَيْسَتْ
على مِنْهَاجِ النُّبُوَّة ، ولَيْسَتْ على هدْيِ النَّبي عليه الصَّلاة
والسَّلام ؛ فإنَّها حِينَئِذٍ لا تُقْبَلْ ( مَنْ عَمِلَ عَملاَ لَيْسَ عليهِ أمْرُنا فَهُو رد ) ، يعني مَرْدُودٌ عليهِ ، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [
الملك / 2 ] قال الفُضيل : أحْسَنُ عملاً : أخْلَصُهُ وأَصْوَبَهُ ؛ فإنَّ
العمل إذا كَانَ خَالِصاً ، ولَمْ يَكُنْ صَواباً لَمْ يُقْبَلْ ، وإنْ
كَانَ صَواباً ، ولمْ يَكُنْ خَالِصاً لَمْ يُقْبَلْ ، فَلا بُدَّ منْ
تَحْقِيقْ هذيْن الشَّرْطَيْنْ ، الإخلاص لله جَلَّ وعلا ، وأنْ يَكُون
صَواباً على سُنًَّة النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام . قَدْ يَقُولُ
قائل: لماذا لا نَكْتَفِي بالشَّرْط الثَّانِي ؟ أنْ يَكُونْ عَمَلُنا على
مُقْتَضَى مَا جَاء عنْ النَّبي عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام ، لِمَاذا
نَشْتَرِط الإخلاص ؟ لأنَّ العمل إذا كَانَ على هَدْيِ النَّبي عليهِ
الصلاة والسَّلام ؛ فإنَّهُ لابُدَّ أنْ يَكُون خَالِصاً لله جلَّ وعلا ،
وإذا لَمْ يَكُنْ خَالِصاً ؛ فإنَّهُ لَنْ يَكُونَ على هَدْيِ النبي عليهِ
الصَّلاة والسَّلام ؛لأنَّ هدْي النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام شَاملٌ
للأعمال الظَّاهِرَة البَدَنِيَّة ، وأعمالُ القُلُوبْ ، فإذا كانَتْ صُورة
العمل مُطابِقَة لِما جَاء عن النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام ؛
لَكِنَّهُ لَيْسَ العمل خَالِصاً ؛ بَلْ دَخَلَهُ وشَابَهُ مَا شَابَهُ
مِنْ مُراءاة النَّاسْ ، أو التَّشْرِيك في عِبَادَتِهِ ؛ فإنََّهُ لَنْ
يَكُونْ على هَدْيِ النَّبي عليهِ الصَّلاة والسَّلام فلا حَاجَة إلى
الشَّرط الأوَّل ، هكذا قالَ بعضُهُم ؟ والصواب أن تَنْصِيص أهل العِلْم
على الإخْلاص للاهْتِمَامِ بِهِ ، والعِنَايَة بِشَأْنِهِ ؛ لأنَّ كثيراً
من المُسْلِمينْ لَوْ لَمْ يُذَكَّرْ بِهِ لَنَسِيَهُ فالنِّيَّة شَرُودْ ،
ويُذكر وجَاءَتْ فيهِ ِالنُّصُوصْ الكثيرة من الكِتاب والسُّنَّة ،
ويَتَرَدَّدْ فِي كلامِ أهلِ العلم ، وشرطٌ مُؤَكَّد عِنْدَهُم ،
ويُكَرِّرُونَهُ فِي كُلِّ عبادة مِنْ أجْلِ ما ؟ أنْ يَتَذَكَّرَهُ
الإنْسَانْ فَلا يَعْزُبُ عَنْ بَالِهِ ، و إلاَّ فالنِّيَّةُ شَرُودْ ،
فأنْتَ تَدْخُل بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ خَالِصَة ؛ جِئْتَ إلى المَسْجِد
لِتُؤَدِّي هذهِ الصَّلاة ولَمْ تخرج من بيْتِكَ إلاَّ لهذهِ العِبَادَة
لله جلَّ وعَلا ، ثُمَّ بعد ذلك إذا كَبَّرْت النِّيَّة لابُد أنْ
تَسْتَحْضِرْها ، ولاَّ تُرُوح يمينْاً ولاَّ يساراً كي لا تفُوتك ،
ويَطْرَأ على الإنْسَانْ فِي أثْنَاء صَلاتِهِ مَا لا يخْطر ببَالِهِ ،
فالنَّاس لابُدَّ مِنْ تَذْكِيرِهِم بهذا الشَّرْط والتَّنْصِيصْ عليهِ ،
وإنْ كَانَ الكلامُ الآخر لَهُ وَجْه ؛ لَكِنْ لابُدَّ من التَّنْصِيصْ على
مِثْلِ هذا ؛ لأنَّهُ لَوْ غُفِلَ عنهُ لَمَالَتْ المَقَاصِدْ
بالمُكَلَّفِينْ يَمِيناً وشِمَالاً.
قوله تعالى : {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) لابُدَّ من العمل لِتَتَحَقَّقْ النَّجَاة من
الخُسْرَانْ الذِّي حُكِمَ بِهِ على جَمِيع النَّاسْ ؛ لأنَّ الإنْسَانْ
وإنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظُ المُفْرَدْ إلاَّ أنَّ المُرَادْ بِهِ الجِنْسْ
، ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )) ، تَحَقَّقَ
فيهِم مَا يَنْفَعُهُم ، ويُخْرِجُهُم من الحُكْم العَامْ بالخَسَارة على
جميع النَّاسْ فَحَقَّقُوا الإيمَانْ ، وعَمِلُوا الصَّالِحات ، وبَقِيَ
النَّفْع ، بَقِيَ النَّفْع المُتَعَدِّي ، فَعَلَى الإنْسَانْ أوَّلاً أنْ
يَعْلَم ، ثُمَّ يَعْمَلْ ، ثُمَّ بعد ذلك يَنْفَعْ ((وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ )) هذا الحَق ، وهذا الإيمان ومَا يَطلُبُهُ هذا الإيمانْ إذا
عَمِلَ بِهِ فِي نَفْسِهِ انْتَفَعَ كَثِيراً ؛ لَكِنْ مِنْ مُتَطَلَّبَاتِ
هذا الإيمَانْ نَفْع الآخَرِينْ ، ومِنْ مُتَطَلَّبَاتِ العمل الصَّالِح
أيضاً أنْ تَكُون هذهِ الأعمال الصَّالِحَة مُتَعَدِّيَة {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ }
التَّوَاصِي تَفَاعُل لابُدَّ أنْ يَكُون مِنْ طَرَفَيْن ، فَكُلُّ
وَاحِدٍ يُوصِي أخَاهُ بالحَق الذِّي هُو الدِّينْ ، الدِّينْ بِجَمِيعِ
فُرُوعِهِ وأُصُولِهِ هُو الحَق {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ }
[ يُونس / 32 ] فإذا تَواصَى المُسْلِمُونَ بالحَق نَجَوْا مِنَ
الخَسَارَة وتَواصوا أيْضاً بالصَّبْر ؛ لأنَّ الإنْسَان إذا عَلِم هذا
الدِّينْ ، وهذا الإيمَانْ، وعَمِل بِهِ ، ودَعَا غَيْرَهُ إلى هذا
المَطْلُوب المُنجي مِنَ الخَسَارة المَحْكُوم بِها على العُمُومْ ، فإذا
تَواصَى مَع غيره لابُدَّ أنْ يَنَالهُ مَا يَنَالُهُ مِنَ الأذَى ؛ لأنَّ
النَّاسْ لا يَحْتَمِلُونَ ، يعني النَّاسْ جُبِلُوا على أنْ لا
يَحْتَمِلُوا مَنْ يُعارِضُ شَهَواتِهِمْ ، و نَزَواتِهِمْ فَلا بُدَّ أنْ
يَحْصل لَهُ مَا يَحْصلُ من الأذَى ، فَعَلَى هذا يُوصِي نَفْسَهُ ،
ويُوصِي غَيْرَهُ بالصَّبْر ، ويُوصِيهِ غَيرهُ أيْضاً بالصَّبْر ، لابُدَّ
أنْ يَتَواصوا بالصَّبْر ؛ لأنَّ الطَّرِيقْ شَاق ، الذِّي لا يَتَعَرَّضْ
للنَّاسْ بِمَعْنَى أنَّهُ لا يأمُرَهُم ، ولا يَنْهَاهُم هذا في
الغَالِبْ سَالِم مِنْهُم ، لَكِنْ الذِّي يَرْجُو أنْ يَعُمَّ نَفْعَهُ ،
وخَيْرُهُ ، وفَضْلُهُ ، وعِلْمُهُ ، ويَتَعَدَّى إلى الآخرين لابُدَّ أنْ
يَنالهُ ما يَنالُهُ ، وتَنْظُرُونَ فِيمَنْ يَتَولَّى الأمْرْ ، والنَّهِي
، والدَّعْوَة يَنَالُهُ مَشَقَّة عَظِيمَة ، مَشَقَّة لاحِقَةٌ
بِبَدَنِهِ ، ومَشَقَّةٌ لاحِقَةٌ بِهِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ ، فَتَجِدُ
الذِّي يَقِفُ ، ويَحُول دُونَ النَّاسْ ، ودُون شَهَواتِهِمْ ،
ويُوصِيهِمْ بالحَق لابُدَّ أنْ يُوصِي نَفسهُ أوَّلاً ، ويَتَجَمَّلَ بهذا
الخُلُق العَظِيمْ الذِّي هُو الصَّبر ، فلا بُدَّ من الصَّبْر ؛ لأنَّ
الجَنَّة حُفَّتْ بالمَكَارِه ، والمَكَارِه تَحْتَاجُ إلى صَبْر ،
والصَّبْر حَبْسُ النََّفْس ، فَلا بُدَّ مِنْ أنْ يَصْبِرْ على طَاعَةِ
الله ، ولا بُدَّ مِنْ أنْ يَصْبِر عَنْ مَعْصِيَةِ الله ، ولا بُدَّ مِنْ
أنْ يَصْبِر على أَقْدَار الله المُؤْلِمَة التِّي تُخَالِف مَا يَشْتَهِيه
، فلا بُدَّ أنْ يَصْبِر على جمِيع مَا يَعْتَرِضُهُ فِي طَرِيقِهِ ، فِي
عِلْمِهِ ، فِي عَمَلِهِ ، فِي دَعْوَتِهِ ، فِي أمْرِهِ ، فِي نَهْيِهِ
وجميعِ ذلك ، لا بُدَّ فيهِ من الصَّبر ، لا بُدََّ أنْ يَصْبِر ، ولا
بُدَّ أنْ يَحْتَسِبْ ، وبعض النَّاس تَجِدْهُ على شَفا بِمُجَرَّد أدْنَى
هَزَّة يَنْكَصَ على عَقِبَيْهِ لا يَتَحَمَّلْ ولا يَصْبِرْ ،
فالمَسْأَلَة تَحْتَاج إلى صَبْر ، والأنبياء حَصَلَ لَهُم مَا حَصَل مِنْ
أقْوَامِهِمْ ، والعُلَماء ، والدُّعَاة حَصَلَ لَهُم مَا حَصَل ، فَلا
بُدَّ من الاهْتِدَاءْ بِهَدْيِ منْ سَبَقْ ، ولا بُدَّ من التَّحَمُّلْ ،
والصَّبر على جمِيعِ الأذَى الذِّي يَنَالُ الإنْسَانْ بِدَعْوَتِهِ ،
وأَمْرِهِ ، ونَهْيِهِ ؛ لأنَّ الطَّرِيقْ لَيْسَتْ كما يَقُولُ
المُعَاصِرُونْ مَفْرُوشَة بِوُرُودْ كُل مَنْ أتَاهُ لِيَدْعُوهُ ، أو
يُنْكِرُ عليهِ ، أو يَأْمُرَهُ بِمَعْرُوفْ اسْتَقْبَلَهُ اسْتِقْبَالا
حميدا ، بعضِ النََّاسْ يَضَرْبِ مَنْ يَأْمُرُهُ ؛ بَلْ حَصَلَ الأمْرُ
إلى القَتْلْ ، والأمْرُ جِدُّ خَطِيرْ ، فَقَتْلُ مَنْ يَأْمُر النَّاسْ
بالقِسْط مَقْرُونٌ بِقََتْلِ الأنْبِيَاءْ ، نَسْأل الله السَّلامة
والعَافِيَة ، وحَصَلَ لِهذهِ الفِئَة أعْنِي أهلِ الحِسْبَة أهلِ الأمْر ،
والنَّهِي يَحْصُلُ لَهُم مَا يَحْصُل أكْثَر مِمَّا يَحْصُلُ
لِغَيْرِهِمْ ، يَعْنِي يحصل لأهْلِ الأمْر بالمعرُوفْ مِنَ الأذَى أكْثَر
مِمَّا يَحْصُلُ للعُبَّادْ ، أكْثَرْ مِمَّا يَحْصُلُ للدُّعَاة ، أكْثَرْ
مِمَّا يَحْصُلُ للعُلَمَاءْ والمُعَلِّمِينْ ؛ لأنَّ أُولَئِكْ فِي
الوَاجِهَة يَعْنِي يَسْعَوْنَ إلى الحَيْلُولَةِ بينَ العُصَاةِ
ومَعَاصِيهِمْ ، فَيَحُولُونَ بينَ النَّاسْ و شَهَواتهِمْ ،
ونَزَوَاتِهِمْ ، فَيَعْتَرِضُونَ لَهُم بِمَا يُؤْذِيهِمْ فَلا بُدَّ من
الصَّبْر ، و الله جَلَّ وعَلا يَقُول {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
[ البقرة / 155 ] وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ فَلا بُدَّ مِنَ الصَّبْر ، و
الله أعْلَمْ وصلَّى الله وسلَّم وبارَكَ على عَبْدِهِ ورسُولِهِ
نَبِيِّنَا مُحمَّد وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينْ.